الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الرأي الحر: إركاع الإعلام

نشر في  26 فيفري 2014  (10:03)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

في الماضي لم أكتب سطرا واحدا يمجّد الإعلام الرسمي والوطني بل انتقدته بشدّة متّهما اياه بالإعلام الصّامت والكاذب والمضر، كما انسلخت منذ 1999 من جمعية مديري الصّحف لأنّها لم تخدم الإعلام الحرّ بل خدمت عموما مصالحها ومصالح النظام بطريقة بدائيّة.. وها انّ عددا ممّن خدموا النظام قبل الثورة يعودون الى الساحة لخدمة بعض المصالح الحزبية بالطريقة نفسها التي تعاملوا بها مع النظام السابق أي برداءة كبيرة ممّا سيضرّ ـ حتما ـ بأصدقائهم الجدد بما أنّهم يفتقرون لفنون الإعلام ومستعدون للتحالف مع الشيطان على أسس المنفعيّة والمكاسب.. لن أذكّر أسماءهم لأنّ لهم عائلات وأبناء ولأنّي أريد الخير لكلّ التونسيين وإن أخطأوا في الماضي،  شريطة ألاّ يساهموا في تدمير الإعلام اليوم.. أنا لم أكن بطلا في الماضي لكنّي كنت أشجع مدير مؤسّسة اعلاميّة تجارية.. لم أنبطح ولن أنبطح...
واليوم، وبعد الثورة، أصبح الإعلام الحرّ من أهمّ المكاسب إذ ساهم مع المجتمع المدني واتحاد الشغل وبعض الأحزاب الديمقراطية في حماية تونس من مشاريع المتشدّدين والظلاميين لكن منذ أشهر برزت محاولات واضحة لاركاع القناة الوطنيّة  و«حنبعل» و«التونسية» و«نسمة» أو على الأقلّ للحدّ من معارضتهم لحكومة الترويكا وللأحزاب الحاكمة خاصّة انّ الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة باتت على الأبواب.
فعلى صعيد التلفزات والإذاعات العموميّة استعملت الوزارة الأولى كل الطرق لإقصاء «الهايكا» (الهيئة العليا المستقلّة للإعلام السمعي والبصري) من كلّ القرارات التي تتعلّق بتعيين مدير للتلفزة أو الإذاعة حتى لا تتمتّع هذه الوسائل الإعلاميّة باستقلاليّتها..


ولقد نجحت الوزارة الأولى ـ نسبيا ـ في التحكّم في القنوات التلفزية والمحطّات الإذاعيّة وفي خطّها التحريري وفي أسماء المدعوين للمشاركة في بعض البرامج الحواريّة، والمطلوب الآن هو تعيين مديرين محايدين من قبل «الهايكا»، لا يكونون بيادق لأيّ حزب ويتمتّعون بالحرفية والنزاهة ولا يخدمون الا تونس ومصالحها والاعلام الحرّ دون سواه! فعلى الوزارة الأولى ان تتخلّى عن تدخّلاتها مثلما دأبت حكومتا الترويكا على ذلك!
أما في ما يخصّ التلفزات الخاصّة التي لها نسبة مشاهدة محترمة وأقصد «التونسية» و«نسمة» و«حنبعل»، فقد مرّت بصعوبات مالية أو عرفت مشاكل حادّة مع القضاء ممّا سمح لبعض المموّلين بشراء أسهم من رأس مالها  وهو ما أفقدها نسبة من مصداقيّتها واستقلاليّتها رغم انّ عددا من صحفييها مازالوا يحاولون الدّفاع عن حياد مؤسّساتهم.. وممّا لا يرقى إليه أيّ شكّ هو أنّ أموالا مشبوهة ضخّت حتى يتغيّر المشهد السّمعي والبصري بما أنّ التلفزات الكبرى  الخمس تضمن 90 ٪ من نسبة المشاهدين أي ما يناهز 7 ملايين مشاهد مع الإشارة الى الغرائب التي جعلت من بعض الأشخاص المشتبه فيهم مساندين ومموّلين رسميين لعدّة قنوات تلفزيّة خاصّة تمرّ بضائقة ماليّة حادّة، ويتمتّعون بما يكفي من النّفوذ لاستدعاء المتطرّفين من تونس وحتى خارجها.. والثابت أنّ الضغوطات على هذه التلفزات واعلامييها  ستتفاقم بمناسبة الانتخابات الرئاسية والتشريعيّة لأنّ هذه الانتخابات سيفوز فيها من له شعبيّة ومن له علاقات ممتازة مع الإعلام ومن سيقدّم أموالا وهدايا وإغراءات للنّاخبين! وقد علمت انّ مؤسّسة الرئاسة مهتمّة جدا بهذه القنوات بما في ذلك حنبعل!


أمّا التلفزات المستقلة «الناشئة» مثل «تونسنا» و«تلفزة تي. في» فإنّ اشعاعها يتطلّب شيئا من الوقت وكثيرا من التمويلات حتى تستقطب عددا هامّا من المشاهدين..
إنّ معظم التلفزات الخاصّة (لا أتحدّث عن التلفزات الحزبية أو الدّينية التي ينعم البعض منها بدعم داخلي وخارجي) هي في خطر اليوم ولا يمكن انقاذها ما دام المال المشبوه  ـ وحده ـ قدم لإنقاذها، مع التذكير بأنّ قناة «الحوار» التي تبذل مجهودات جبارة تفتقر للإمكانات والحرفيّة خاصّة بعد ان اختارت أن تكون تلفزة ذات رسالة نضالية..  وبالنسبة الى الإذاعات الخاصّة فانّ البقية تشكو من ضيق ذات اليد وهي مهدّدة بالصمت نهائيا، وذلك رغم مجهودات باعثيها وحرفيّة بعض اعلامييها.. أمّا الصّحافة المكتوبة والالكترونية فهي أيضا في حالة اختناق لأنّ الوزارة الأولى رفضت تنظيم القطاع وخاصّة الاعلانات الوزارية  التابعة للمؤسّسات شبه الحكوميّة، كما أنّها قلّصت عدد الاشتراكات ممّا جرّ أغلبية المنتمين للقطاع الى مشاكل حادّة خاصّة في ظلّ وجود منافسة شرسة من قبل الإذاعات والتلفزات والمواقع الاجتماعيّة.
إنّ الإعلام الذي يشغّل ما يناهز 6000 مواطنة ومواطن ليس في أحسن الأحوال وهو بحاجة إلى رعاية الحكومة واهتمامها ولكن دون تدخّل في خطّه التحريري كما انّه بحاجة إلى الاشهار من قبل الشركات الخاصّة.. بكلّ صراحة دون اعلام حرّ وقضاء مستقل  وأمن جمهوري ستتبخّر كل أحلام الثورة... لكن بفضل الله ومجهودات الإعلاميين والإعلاميات ومؤسساتهم، لن يركع الإعلام الحرّ أمام مناورات الديمقراطيين القدامى وبعض المعارضين الذين تحوّلوا  إلى بذور للديكتاتوريّة!